قناعات الهوية بين اللون والإثنية



نفيسة زين العابدين


في إحدى رحلاتي التقيت بصديقة لى تقيم في دولة خليجية ولديها طفلة في عمر ابنتى الصغيرة . شد انتباهى أن طفلتها تنادى طفلتى باسم ( البت السودانية ) ضحكت وسألتها عن سبب اختيارها لهذا الاسم فقالت لأنها سمراء . وإنضمت إلينا والدتها تشكو أن ابنتها ترفض تماما كونها من السودان بل إنها تخبر زميلاتها في المدرسة أنها من سلطنة عمان .
الحقيقة لم ألمها .. فهذه الصغيرة إنما تعبر ليس عن رفضها لجنسية الوطن الأم فقط ، ولكنها أيضا تعتبر (السمار) مذمة ونقصان. وأن السودان في عينيها مجرد بشرة داكنة. وهذا ما يحدث الآن ، ثورة عارمة على اللون الأسمر تشبه إلى حد ما ثورات الربيع العربي ، لم تحقق اهدافها ولم تدع الحال على ما كان عليه .
 بالأمس وأنا املأ استمارة لاحدى الجامعات هنا توقفت في السؤال الخاص بالإثنية وتذكرت كلمات تلك الصغيرة وانا اتردد في اختياري ما بين فئتين. سؤال الإثنية بقيت إجابتى له دوما متأرجحة مابين (بلاك) و( آفريكان أمريكان.) لكننى علمت فيما بعد ان هذه الفئات لا تشملنى بما أن أصولى سودانية، وعلى إستمارة التعداد السكانى هنا يصنف السودان من دول شمال أفريقيا ويتبع للإثنية البيضاء. وفي حديث مع صديقة لي عن إستمارة التعداد السكاني وموقعنا على خارطتها كمقيمين هنا في امريكا، قالت لى إنها في الإحصائية القادمة 2020 قد تفكر بتغييرعرقها من سوداء الى بيضاء لاننا بالفعل مصنفين فيها كعرق أبيض وأنها هناك بيضاء وهنا بيضاء فلماذا السواد. حديثها ذكرنى بقصة متداولة عن أحدهم وهو سودانى حنطى اللون ذهب لقضاء مصلحة ، وفي الاستمارة التى عرضت عليه إختار ان يكون أبيض العرق ، فنبهته الموظفة - وكانت سوداء - بإفتراضها أنه قد يكون اخطأ الإختيار، فكان ملخص رده لها : (ما بكتب اسود.. انا في بلدى  ابيض.)
ومنذ ايام كنت أعد مقالا بالإنجليزية عن معنى الهوية وأثناء بحثي لفت نظرى مقال على صحيفة  واشنطن بوست بتاريخ الثامن والعشرين من ابريل من العام 2010 لاليزابث تشانغ بعنوان " لم لا ينبغي لاوباما اختيار خانة الإثنية السوداء على استمارة التعداد السكانى الخاصة به "  تقول فيه الكاتبة انها دائما ما كانت تعتبر الرئيس أوباما مختلط العرق، لكنها أُحبطت عندما علمت بانه يصنف نفسه على إنه أفريقي أمريكى ، وأن هذا هو التعريف الإثنى الذى اختاره لنفسه رسميا في استمارة الإحصاء السكانى، وأن إختياره لأن يكون أفريقيا أمريكيا به بعض الشيء من عدم المصداقية خاصة وأن جدته لأمه امريكية بيضاء فالأحرى أن يختار فئة ( أجناس أخرى ) بدلا عن أن يكون اسود. أحترمتُ الرجل  حيث انه قرر عرقه كما يراه هو وليس غيره ، كما انه أعطانى ثقة بأننى لم أُخطىء التعريف  على اننى أفريقية سوداء رغم أن جذوري التى  تنتمى لدولة شمال أفريقية  تصنف هنا - مجازا - على أنها بيضاء العرق.
هويتنا كسودانين ما بين الإثنية واللون تظل مثار جدل ومصدر حيرة. وهوية الوطن مابين الأفريقية والعربية لا يمكن حسمها رسميا ، وانما القناعة باننا عرب ام افارقة اعتبرها مسألة لا تقبل التعميم ، فهنالك قبائل عربية خالصة كما ان هنالك قبائل مختلطة ، وايضا قبائل افريقية تماما ، وهذا البلد الكبير ليس حصرا على جنس معين او عرق بعينه ، وإن لا زال الكثيرون يحاولون  صبغته بالافريقية الخالصة . في رأيي أن غلاف هوية العرقية السودانية على نحو ما  اصبح ممزقا كما الوطن تماما ، يحتاج الى صيانة و إعادة طلاء بلونه الطبيعى للتخلص من التشوهات والتقشرات التى اصابت جداره المهترئ.



Comments

Popular posts from this blog

مقارنات بين القصة القصيرة والرواية

الواقعية السحرية كمصطلح أدبي

الرفيق قبل الطريق