ما بين المظهر والجوهر .. أشياء وأشياء







صديقة لطيفة وجميلة جدا  حكت لى وهى تنتحب كيف أن خطيبها أنهى خطبتهما ليرتبط فورا بأخرى هى تعرفها .. كانت تتساءل أمامى بغيظ شديد: (ماذا أعجبه فيها ؟!) الحقيقة لم أدر ماذا أقول لها وكيف أواسيها  سوى بانه رجل خائن لا يستحقها ، لكنها كانت تصر فى ترديد سؤالها لى بمرارة وألم : (ماذا أعجبه فيها .. حتى إنها أقل منى بكثير!) .. إلتزمتٌ الصمت فأنا لا أملك الإجابة.. ببساطة لأننى لا أعرف الأخرى. وأردت أن أواسيها وأقول ربما لأنه رأى إنها  قد تناسبه أكثر منك ..إلا إننى إحتفظت بكلماتى لى.
ولأن الجمال ليس كل ما يطلبه الرجل في المرأة ، لذلك لم أصر على معرفة مزايا الأخرى ، بل يكفى اننى أعرف عيوب صديقتى ..فهى رغم كونها جميلة ومتعلمة وثرية ، إلا أنها تغرق فى سطحية  شديدة ..حتى انا أمل أحيانا كثيرة من أحاديثها التى تنحصر فقط فى آخر صرعات الموضة وأخبار كريمات وخلطات تفتيح وتنعيم البشرة وماركات وأسعار مساحيق التجميل. اى نعم نحن النساء  نحب الجمال وأحاديث الجمال ، لكن  كجزء من اهتماماتنا وليس كلها ..لذلك كنت صريحة وأنا أخبرها الفرق بينها وبين خطيبها سابقا .. ذاك الرجل المثقف الذى ينتمى الى جيلى  حيث لا زال فينا بقايا من فضول للمعرفة والاطلاع  .. ربما  إختياره للإخرى كان مبنيا على أساس بناء حياة زوجية بها من العمق ما يضمن إستمراها خاصة وانه  قد مر من قبل بتجربة زواج فاشلة .. ويحتمل لأن الاخرى تختلف عن صديقتى ..و يحتمل ايضا أنه قد تعرض (للشلب) أى الخطف بلغة أخرى .. و إن كان فى كل الاحوال رجل (خاين وعينه زايغة)  -هكذا نقول - والأخرى (خطافة رجال وما عندها ذمة) - هكذا نعبر عن غضبنا أيضا ثم نأتى بجملة المواساة الشهيرة: (أحسن ليك يا زولة العرفتي نواياه وانتى لسه على البر ...أصلا هو الخسران .)
يبدو أن المستورد الينا صوت وصورة عبر المسلسلات التركية وغيرها قد أثر على ( المحلى ) و أدى إلى تداعيات مؤلمة فمثلما ثبت  أن الرجل السودانى يفتقر للرومانسية ورقة المشاعر، نجد أن  كثيرات من جنس حواء ( المحلية) اصبح جلّ اهتمامهن البحث عن تطوير شكلهن الخارجى بمغالاة ومبالغة، فأصبحت مقاييس شريحة كبيرة من المجتمع الجديد للجمال هو (اللون النضيف) .. وشعر غجري مجنون لا يسافر ولا يعود، وقامة هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة .. لا يشتكى قصر منها ولا طول.
و لعله لا يخفي على أحد أن  أكثر المشاريع الصغيرة المرغوبة فى البلاد صارت في ما يخص  التجميل  و مواده – على حسب رؤيتى – بل ونجد أن أغلبها لا يخضع لرقابة وزارة الصحة ، وكلنا يعرف باولئك الذين يبيعون خلطات كيميائية من صيدلياتهم او  متاجرهم  وأحيانا من بيوتهم . 
صديقتى ليست مخطئة أبدا ..ولا ألومها مطلقا ..فهى أنثي تعشق الجمال وكلنا كذلك لكنها أيضا  تعيش فى مجتمع يحكم على الانثى من لون وجهها ومدى تطابقه مع ظهر كفيها ..ومقياس الرقي فيه كثيرا ما يكون محصورا فى المظهر وطريقة الكلام  وليس شيئا آخر .. ولأن الفقر  يكاد يكون عاما  أصبح من ضحايا هذا المجتمع المزيف كثيرات تضعف قيمهن قواعده ورؤاه الجديدة في تقييم الأنثي فيلجأن الى طرق غير سوية  لترضيته، ولم يعد هناك فرق بين الجمال والسحر بمعنى الجاذبية ..وإن اصبح السحر بمعنى الدجل واقعا مرا في مجتمعنا  يعجل بهدمه الى جانب الرذائل الاخرى .. والسؤال الذى لا يبحث عن إجابة بل عن دراسة هو .. حواء السودان الجديدة ..هل هى ضحية مجتمعها الداخلى وقيمه الحديثة أم هى من شاركت في صنع هذا التغيير بتقبلها وإنخراطها في العمل على إرساء دعائمه السلبية؟!


Comments

Popular posts from this blog

مقارنات بين القصة القصيرة والرواية

الواقعية السحرية كمصطلح أدبي

الرفيق قبل الطريق