الرفيق قبل الطريق



 حكاياتي مع المسنين تسعدني وتعلمني دروسا صغيرة في الحياة  لم أكن لأتعلمها لولا لحظات تأمل تعترض طريقي أو تأتى بالصدفة  البحتة . فرؤية عجوزين يتكآن على بعضهما في طريق الحياة ويعبرانه بحب ومودة هو مشهد يجلب الراحة  ويؤكد بأن رفيق العمر ليس هو من نبدا معه الحياة المشتركة.. ولكن من ننجح في أن ننهى معه الرحلة بسلام . فكثير منا يبدأ رحلة الحياة او كما يقولون يدخل دنيا الزواج مع الشخص الخطأ ليكتشف أن مدة صلاحية الآخر كرفيق قد انتهت قبل أن تبدا فعليا.. لكن دعونا لا نفقد الأمل ولنتفاءل دائما بأن الشريك المناسب ينتظر في إحدى صفحات كتاب العمر ولا يهم متى سيظهر .. المهم أن نعيش الحياة برضا تام ونعمل بجهد في تطوير ذواتنا حتى يأتى الوقت الذى نبلغ  فيه تلك الصفحة لنلتقي نصفنا المثالي ونواصل معه المشوار   نحو النهايات بسلام .                                                                                                    
لن أنسي تلك المرة التى خرجت فيها  للتسوق في ذلك المتجر الشهير والذى أغلب رواده وزبائنه هم من أولئك المسنين الذين تقاعدوا عن العمل والآن يجنون حصيلة سنوات التعب في الاستمتاع والتسوق .. ففى هذه البلاد يختلفون عنا حتى في فهمهم لمراحل العمر المختلفة.. و بينما  كنت اتجول  في قسم الملابس النسائية وقف الي جواري زوجين مسنين وبدأ الزوج باختيار معطف  لزوجته وهو يسألها اذا كان اللون يعجبها مع  إبداء رأيه في مودة بأنه شخصيا يفضل هذا اللون عليها .. شدّ انتباهى ذلك الحنان الذى كان يزين صوته المنخفض .. ورأيتها تبتسم بعينيها قبل شفتيها وهى تختبر ملمس المعطف بأناملها المرتعشة ثم توافق  علي اختياره مثنية على ذوقه الذى لطالما كان دوما رائعا. أخذ المعطف والبسه اياها برفق ورقة كأنها طفلة صغيرة  مستسلمة له بحب وهو يساوى ياقته حول عنقها ويغلق الازرار في رفق .. ابتسمت انا وتأثرت  لما يدور حولى. شعر الزوج بقربي منهما فالتفت الي يسالني : ( اليس يبدو جميلا عليها ؟) ابتسمت واثنيت علي ذوقه في الاختيار بقولى أن المعطف  اصبح أكثر جمالا وهو عليها. إبتسم بسعادة و ربت علي ظهرها في مودة وتبادلا سويا نظرات مليئة بالحب والالفة.  بصوت هادئ طلبت منه ان يذهب لدفع ثمن المعطف بينما تتجول هي قليلا ..امسك بيدها وقال وهو ينظر في عينيها : ( لا تبتعدي ) ..طمأنته بألا يقلق فستكون هنا ولن تبتعد. غادرها خطوات ثم عاد اليها يكرر طلبه بالا تبتعد عن هذه المساحة ..ثم التفت الي وقال : ( تعرفين .. يصعب التحكم بذاكرة إمرأة في التسعين من عمرها .) ثم ضحك وهو يناديها مكررا طلبه :( لا تبتعدي.) راقبت عينيها وهي تقف كقطة اليفة ترقب صاحبها بحب كبير ..ظهرها المحني قليلا ..شعرها الاشقر القصير المصفف في عنايه فائقة ..هندامها الانيق ..هو ايضا كان في نفس عمرها لكنه مليء بالحيوية .. شعرت بالمسئولية في ان اراقبها في غيابه حتى يعود .. فلربما نسيت وعدها له وابتعدت. لكنها ظلت في مكانها تقلب ما يجاورها من ملابس .. وبين الفينة والاخرى ترفع عينيها باتجاهه تبتسم له وكأنها تطمئنه بألا تقلق يا عزيزى أنا هنا..  ثم تعود لتقليب البضائع الى جوارها في إنتظار عودته. وابتعدت أنا بعد ان عاد اليها يحتضنها كأنه غاب من الزمن  عمرا وليس دقائق.  قاومت أنا  دمعتين نجحتا في النهاية على  غزو عيني وانزلقتا على وجهى بحرارة ..والتفت للجهة الاخري وانا ابتسم وامسح دموعي واتضجر من هذه الحساسية التي تلازمني وهذه الدموع التي تقف علي الحافة تنتظر احساسا صادقا كي تنحدر.

Comments

Popular posts from this blog

مقارنات بين القصة القصيرة والرواية

الواقعية السحرية كمصطلح أدبي