ويبقي سؤال


 حدث وأن ذهبت في دورة تدريبة ضمن دراستى الجامعية الى  إحدى المدارس الثانوية ، ولفت نظرى أن كتب منهج اللغة العربية  قد تغيرت ولم أكن أدرى ذلك ، وأحزننى أن كتاب البلاغة لم يعد ذلك الكتاب القيم بلون غلافه المميز وأوراقه الكثيرة .. بل أُختزل إلى كتيب هزيل المنظر والمادة .
فمن يقرأ ما يكتبه السواد الاعظم من الشباب اليوم يلاحظ الفرق عما سبقهم من أجيال ، و يتحسر على المنهج القديم لفروع اللغة العربية هذا إن لم تثر حفيظته  الأغلاط الإملائية الكثيرة ، وترفع ضغطه وتصيبه بالاكتئاب.
منذ مدة ليست بالطويلة قرأت منشور تعزية على أحد تجمعات فيس بوك ، لم تكن هنالك ولا كلمة صحيحة غير اسم الجلالة ، والغريب أنه لم يعترض على ذلك أحد .. بل أن جميع المتداخلين في ذلك المنشور كأنهم وقد فهموا المعنى المراد من السياق العام وعليه تداخلوا مع صاحب المنشور بنفس أسلوبه . وبدا لى كأنهم يكتبون بحروف لغة أخرى غير حروف اللغة العربية التى نعرفها.  تملكنى فضول قوى لأعرف كم اعمار هؤلاء وبزيارات مقتضبة الى ( بروفايلاتهم) وجدت الاغلبية منهم يحملون مؤهلات جامعية . ابتلعت غصتى وواصلت رحلة تجوالى عبر تجمع آخر ، وبدأت في قرآءة منشور جذبنى مطلعه ، فلغته كانت  صحيحة وجاذبة في السطرين الاوليين  .. لكن بعد ذلك تحول  كاتبه من الفصحى الى العامية السودانية في مساحة قد تكون أكثر من سطر كامل ثم عاد مرة أخرى إلى الفصحى ولكن بمفردات ركيكة للغاية و غلطات إملائية لكلمات ليست بالمعقدة أو الصعبة .. فأيقنت ان الاسطر الاولى هى ليست له ولا شك.
أسئلة كثيرة دارت في ذهني تبحث عن أسباب التردى الصادم  والضعف العام في اللغة العربية عند هذه الاجيال. ورأيت أن من ضمن هذه الاسباب لاشك قد يكون ضعف وضحالة المنهج ، او الاساتذة غير المؤهلين لتدريس اللغة العربية ورغم ذلك يدرسونها( سد خانة) .. أو إنتشار ظاهرة التعليم الخاص وإهمال اللغة العربية فيه ، أو التراخي في جذب التلميذ لحصص المطالعة  وعدم الاهتمام بتنمية جانب القرآءة الحرة  وغرسها لدى النشيء الصغير. وسبب آخر هو تركيز معظم  الشباب على اللغة السهلة  لوسائل التواصل الاجتماعي وخاصة فيس بوك.
وفيما يخص الافتراض الأخير ، نجد أن  مواقع التواصل الاجتماعي  على كثرة ما تحويه من معلومات وتجمعات مفيدة الا أنها تعج بالغث الضعيف من المواضيع التى تجد إقبالا لدى هؤلاء وغيرهم ، ربما لأنهم يجدون متعتهم  او ما يخدم إهتماماتهم من خلال الاقبال عليها او الانخراط فيها ، فبالتالى تصبح مجرد تضييع وقت لا أكثر دون ان تضيف اى معلومة مفيدة او حتى مفردة جديدة.
يبدو أن العربية أصبحت لغة المثقفين وأجيال ما قبل منتصف التسعينات ، وأن العامية السودانية أصبحت وسيلة التعبير الوحيدة التى يجيدها الجميع ولا يختلف علي إجادتها أحد حتى أنها اصبحت وسيلة التعبير  للقصص والحكايات والتى يطلق عليها في أحيان كثيرة (روايات)  تمتلئ بها صفحات الاسافير. والمؤسف إن  بعضها جميل في حبكته وإسترساله  ولا يعيبها غير وسيلة التعبير الركيكة والغثة.  وفي رأيي لو أن هذه الاعمال كتبت بالفصحى لنافست في سوق الادب المقروء. لكنها تفتقر اللغة التى تمكنها من الوصول الى القارئ الاخر.
إن هذه الكثرة في الجهل بلغة هى الرسمية لدولة  كان مواطنوها من اكثر الشعوب ثقافة وإجادة للغة العربية من المحيط إلى الخليج شيء مؤسف ويدعو للتساؤل و التنبؤ بافتراضات قاتمة حول مستقبل اللغة العربية والتى هى أساس التعليم  في السودان في مختلف المجالات . مثلا ماذا نتوقع  من شخص متعلم  يخطىء في الإملاء ، او لا يستطيع صياغة جملة صحيحة ، او تكون وسيلة تعبيره الوحيدة التى يجيدها هى العامية ؟   
ويبقي سؤال .. هل من حلول فاعلة لاعادة المستوى المقبول للغة تعد الرسمية في البلاد؟






Comments

Post a Comment

Popular posts from this blog

مقارنات بين القصة القصيرة والرواية

الواقعية السحرية كمصطلح أدبي

الرفيق قبل الطريق