الأدب السودانى بلغة الآخر




ماكس شموكلر هو أحد محررى ومنقحى كتاب " The Book of Khartoum" والذي يضم مختارات من قصص قصيرة باقلام سودانية مترجمة من العربية الى الانجليزية صدرت عن دار نشر كوما بريس في العام الجارى 2016.  شموكلر أيضا هو طالب دكتوراة في قسم دراسات الشرق الاوسط وشمال افريقيا وجنوب آسيا  والدراسات الافريقية ( MESAAS) في كلومبيا، حيث يركز عمله على تاريخ الادب السودانى في القرن العشرين.
كتب شموكلر عن تجربته حيال تنقيح وتحرير" كتاب الخرطوم"  في مقال طويل بعنوان : جماليات الترجمة: إضاءات على الأدب السودانى بالانجليزية. و نشر  المقال على مدونة وور سكييب. 
كتب شموكلر في افتتاحية مقاله بأن من فوائد العمل على تحضير الآنثولوجيا انها تعطي فرصة قراءة كافية للادب المتوسط الجودة .. حتى لتبدأ تسآءل نفسك : ماذا تعنى كلمة متوسط في الحقيقة. وذكر انه حين تعاون في إعداد كتاب مترجما إلى الانجليزية عن القصة السودانية القصيرة مع راف كورماك، تعلم أن تمييز القصص العظمية عن تلك المتوسطة الجودة يزيد من التساؤلات حول تنافس الجماليات الادبية فيها. وأن معرفة أى من القصص سيضمونها للمجموعة، وكيف سيثبتون دقة إختياراتهم للناشر، كان درسا عمليا في كيفية تشكيل التشريعات والمقاييس الأدبية وحتى تلك القوانين في الأدب الذي يهتم بالهوامش كالأدب العربي السودانى .
يوضح شموكلر سبب القلق الرئيسي في ذلك العمل هو أن بعض تلك القصص القصيرة قد قٌيمت من قبل القارئ السودانى على انها جيدة ، ولكن وفقا للمعايير الانجلو أمريكية هي لا تُترجم إلي (جيدة)، ليس لأن المعايير الانجلو أمريكية متفوقة على المعايير السودانية ، ولكن لأن طريقة الكلام تفترض أن لديهم معايير خارجية مما يجعل مقارنتهم للجماليات الادبية في كلا المعيارين صحيحة ، ويعقب شموكلر على هذه النقطة بقوله: " لكننا لا نفعل ذلك. ولكننا نعلم أن بعض الذى كٌتب ونشر وبيع في أجزاء السودان الناطقة بالعربية ، هو شيء مختلف تماما عن ذاك الذى يجذب قاريء اللغة الانجليزية ."
ويقول أيضا : " كمترجمين، يجب علينا إما إخفاء أو توضيح الفرق لقرائنا المتخيلين بالانجليزية." ويري أن التوضيح هو الخيار الامثل الذي لجأ اليه في هذا الكتاب . أن يوضح جوانب رؤيته للادب العربي السودانى والذي لا يستطيع ترجمته بصورة صحيحة . ويقول انه مهتم بصورة خاصة بالعلاقة المعقدة بشكل رائع بين اثنين من التقاليد النقدية هما "السودانية " و "الانجليزية" والذين جٌلبا معا عن طريق العلاقات التجارية العالمية ، والهيمنة الاستعمارية ، والتبادل التعليمى والثقافي ، وظهور تقنيات محددة وثورات ادبية امتلكاها.
يذكر شموكلر في مقاله أنه وراف كانا متنقلين باستمرار بين جماليات الادبين السودانى والانجليزى وتقاليدهما النقدية ويقول: " ولأننا نقيس اي من تلك القصص قد تمثل المشهد الأدبي السودانى بصدق وايضا تجذب القارئ الآخر من ناحية ، فقد تم الاختيار بناء على ما هو ملائم لاسلوب اللغة العربية الفصحى."
ولا ينسي شموكلر ان يٌضمن مقاله نقطة أنه قد زار السودان هو ورفيقه راف وتعرفا على بعض العوامل الاجتماعية والتاريخية التى تؤثر باستمرار في تطور الأدب السودانى. وذكر أن الادب المعارض لم يعد بالمهمش او الهابط بل تحول في ظل الاجواء الساسية الحالية الي شاهد قوى يدين ويعارض ضمنيا الممارسات اللاخلاقية. 
شموكلر يعتبر أن الكاتب كناقد لمجتمعه وصوت لأخلاقه هو عنصر حيوى في جماليات الأدب السودانى ، مما يساعد على توضيح تفوق التهكم على السياسة وانتقادها في القصص القصيرة التى قاموا بمراجعتها. ويقول شموكلر: " بالنسبة لنا، السؤال هو كيف سنقوم بترجمة هذه الاعمال الى قارئ اللغة الانجليزية، والذي الأدب عنده هو الجمال والوضوح وليس البشاعة والجدل ."
 عن ناشر كتاب الخرطوم يذكر شموكلر أنها  دار نشر صغيرة في المملكة المتحدة هى التى إهتمت بنشر هذا الكتاب وكان الهدف من ذلك إعطاء الأدب السودانى الجيد صوت بالانجليزية. وأن فكرتهم حول الجودة تتضمن مفاهيم حداثة مبتكرة عن المعارضة والمقاومة، وربما تكون في غاية الجمال وغير عادية. ويقول: "هذا التوجه هو الذي يجب أن أعترف أننى معجب به من حيث المبدأ على الاقل، حيث انه يعامل الكتاب السودانين بالتساوى كمتنافسين في ميدان الادب المتميز. عمليا مع ذلك هو بمثابة ميدان، الابتكار فيه يتغلب على محاكاة الاشكال الادبية السابقة ، وتقدر فيه الشخصيات ذات التعقيد النفسي على تلك المثالية النوع ، وتلك الصور التى تتوافق والرغبة الليبرالية لحرية الفرد في التعبير والكرامة الانسانية."
 ويري شموكلر أن بعض الجوانب التى ينتقدها الأدب السودانى ويشيد بها ويمجدها الكٌتاب السودانين تتعارض مع رغبات القارئ بالانجليزية.  وأن الجزء الصعب الذي واجهه في ترجمة الاهمية السياسية التى ينتهجها الكٌتاب في السودان الى قارئ الانجليزية هو ذلك الاختلاف الكبير في الثروة والدعم المؤسسي للادب.
 عن إفتقار الساحة الادبية السودانية  للدعم والاهتمام يعقب شموكلرعلى هذه الجزئية بأن الأمر يظل صعبا ومعقدا في غياب مؤسسات قوية تدعم إنتاج وتداول وإنتشار وحماية النصوص الأدبية في السودان  مما يحجم ويضعف حضور الادب السودانى، ويجعله نسبيا غير متبلور وبلا شكل واضح، وأن نصوص قليلة جدا هى التى يتم الترويج لها وإعاة طباعتها ودراستها ورعايتها لتبلغ مرحلة الامتياز والتبجيل (الكنونيكالية)  في مجال النقد السودانى و العالم العربي أو في مجال الادب العالمى المترجم الى الانجليزية.
يذكر شموكلر أيضا أن غياب المراكز الثقافية القوية ، وعدم إخضاع سوق الكتب والمكتبات للرقابة وإهمال  السجلات  هو سبب رئيسي يعيق تشكيل الاستقرار وسهولة الوصول للادب المحلى.
ويقول عن هذه النقطة حول تجربته التنقيحية تلك: " بالنسبة لراف وانا لقد كان  هذا بعدا رئيسيا في تجربتنا كمحررين. فمن دون أرشيف كان علينا أن نجمع قصص قصيرة يصعب ايجادها، من الكتب المفروشة أرضا  والتى حصلنا عليها في الخرطوم، ومن المدونات الشخصية، والمنشورات على فيس بوك ، ومن أعمال غير مطبوعة أرسلها الينا بعض الكتاب عبر البريد الالكترونى أثناء عملنا هذا على مدى الستة أشهر الماضية."
ولا ينسي شموكلر أن يكتب عن التحديات الاقتصادية والتى تفاقمت وصٌعبت بسبب الظروف السياسية، وخاصة الرقابة.  ويكتب أيضا عن صعوبة الحصول على أعمال بعض الكتاب داخل السودان ويقول: " ومما يدعو للسخرية هو أن الكثير من الادب المحلي المعاصر يسهل الحصول عليه خارج البلاد من داخلها." و يواصل شموكلر في هذه المفارقة بقوله: " في حين انه يصعب الحصول على الكثير من الروايات المعاصرة ،  نجد ان الحكومة تقوم  باعادة طبع  قصائد الاجيال السابقة  من المثقفين السودانيين مثل التيجاني  يوسف بشير وحمزة الملك طمنبل والنتيجة هى اخذ انطباع عن كل الكتاب السودانين بأنهم متأخرين وأعمالهم قليلة   - بأستثناء الطيب صالح -  مقارنة بتوفر الادب الانجليزى او حتى مجموعة كبيرة نسبيا من الأدب المصري الحديث.
 ويختم شموكلر مقاله بقوله: "مثل الكثير من الأدب،  الجماليات الأدبية لها تاريخ وتنشأ عن ظروف خاصة وظروف مادية. كل جمالية تشكل طموحات مؤلفها، أذواق جمهورها، والنقاش حول الأدب الجيد في مكانها ووقتها المعين.  وأن حيوية و شفافية، ومراوغة، واستدعاء الجمالية جنبا إلى جنب مع النص هي مهمة المترجم."

Comments

Popular posts from this blog

مقارنات بين القصة القصيرة والرواية

الواقعية السحرية كمصطلح أدبي

الرفيق قبل الطريق